- 3 -
الإمام ناصر محمد اليماني
04 - 10 - 1430 هـ
24 - 09 - 2009 مـ
10:18 مساءً
ـــــــــــــــــــ



{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }..

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمُرسلين وآله التوابين المُتطهرين والتابعين للحقّ إلى يوم الدين، وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..

أخي الكريم، بارك الله فيك إني لم أجد الزينة محرّمة في كتاب الله وأحلّ الله للمُسلمين الطيبات وحرَّم عليهم الخبائث. قال الله تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏} صدق الله العظيم [المائدة:3].

وقال الله تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة].

وقال الله تعالى:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحقّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].

وقال الله تعالى:
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النور].

وما أُريدُ قوله هو أني لا أجد شيئاً حرَّمه الله في الكتاب إلا لحكمةٍ بالغةٍ في سبب تحريمه. تصديقاً لقول الله تعالى:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

فإذا اتَّبعنا فتواك في تحريم زينة التماثيل سواءً لإنسانٍ أو حيوانٍ أو طيرٍ فأصبحت ضمن الخبائث، فهل ترى أنّ الله أحل لنبيه سُليمان شيئاً من الخبائث؟ وقال الله تعالى:
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} صدق الله العظيم [سبأ:13].

وهذه من الآيات المُحكمات أنّ زينة التماثيل سواءً لإنسانٍ أو حيوانٍ أو طيرٍ إذا صُنعت لغرض الزينة فلم أجدها محرّمة في كتاب الله ولذلك أفتينا بعدم تحريمها بغرض الزينة شرط أن تكون صور التماثيل ليس فيها أي سفورٍ وفتنةٍ في المنظر، فلم أجد ذلك في كتاب الله حرامٌ ولم تكن من الخبائث وحاشا لنبي الله سُليمان أن يأمر بصناعة ما يشاء من زينة التماثيل سواء تماثيل إنسانٍ أو حيوانٍ أو طيرٍ أو غير ذلك من التماثيل لمخلوقات الله وهذا مُخالف لفتواكم أنهُ يغضب الله أن يصنع عباده تماثيل لخلقه فترون أنه لا يجوز لهم أن يصوروا كخلق الله، وتأتي بقول الله تعالى:
{الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} صدق الله العظيم [الحشر:24]. فتزعم أن هذه الآية دليل تحريم تصوير التماثيل وأنك أتيت بها لنا من القرآن العظيم! ثم نردُ عليك ونقول: إنك لمن الخاطئين وتقول على الله ما لم تعلم ولم يُحرّم الله على عباده أن يخلقوا فيصوروا كخلقه؛ بل يتحدى الله عبادة جميعاً أن يخلقوا ذُباباً واحداً فقط شرط أن يكون كمثل الذباب الذي خلقه الله فهنا يعجز كافة عباد الله جميعاً كافرهم ومُسلمهم ومُلحدهم، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} صدق الله العظيم [الحج:73].

ولكن حسب تحريمك وكأنهم خلقوا كخلق الله مما أغضب الله سُبحانه وكأنهم كسروا التحدي حسب فتواك! ولكن الله يقصد كخلقه بالضبط روحاً وجسداً. وقال الله تعالى:
{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿١٦﴾} صدق الله العظيم [الرعد].

فلن يستطيعوا إلا أن يُريد الله أن يؤيّد أحدَ عباده من الأنبياء والمُرسلين بمُعجزة التصديق لدعوة الحقّ فيخلق شيئاً كهيئة إنسانٍ أو حيوانٍ أو طيرٍ فينفخ فيه بإذن الله فيكون طيراً حيّاً يأكل ويشرب ويطير لأنّ قدرة الإنسان لن تستطيع إلا أن تصنع تمثالاً كهيئة الطير في شكله أو كهيئة الحيوان أو كهيئة الإنسان ولكنه لن يكون طيراً ولا حيواناً ولا إنساناً حقيقيّاً ما لم يكن بإذن الله (كُن فيكون). وقال الله تعالى:
{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} صدق الله العظيم [المائدة:110].

فانظر لقول الله تعالى:
{فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} صدق الله العظيم، فتدبر الطير الحقيقي: {فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} صدق الله العظيم، إذاً الطير الذي قبل النفخ ليس إلا صورة للطير مصنوعة من الطين وهذه يستطيع أن يفعلها الإنسان الصانع لصور خلق الله، ولكنها لا تكون طيوراً حقيقيةً؛ بل مُجرد صورٍ لخلق الله، وإنما أيّد الله عبده ونبيه المسيح عيسى ابن مريم بالمُعجزة للتصديق لما يدعوا إليه ومن بعد أن صنع الصورة من الطين كهيئة الطير فيقول لصورة الطير كوني طيراً بإذن الله {فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} صدق الله العظيم، وليس بإذن المسيح عيسى ابن مريم فقدرته تتوقف عند قدرة أي إنسانٍ يصنع صورةَ طيرٍ من طينٍ أو من نحاسٍ أو من غير ذلك، ولكن الصورة تظلّ مُجرد صورة للزينة فما يغير الله سُبحانه من تصوير عبده الإنسان لأي صورة من خلق الرحمن، فلا أجد ذلك في كتاب الله مُحرماً وأتيناك بسُلطان العلم المُحكم في القرآن العظيم عن أنبياء الله داوود وسُليمان عليهم الصلاة والسلام وكانت لهم تماثيل مُجرد صورٍ معدنيّةٍ ولم ينفخ فيها فتكون صور حقيقة؛ بل صُنعت لغرض الزينة، وسُليمان وداوود كانوا من الأغنياء فيزينوا قصورهم بصور كهيئة صور خلق الله من الإنسان والحيوان والطير بغرض الزينة: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿١٢﴾ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].

فإن جعلتَ هذه التماثيل لا تحلّ إلّا لسُليمان وداوود عليهما الصلاة والسلام ولكنها مجرد صور ولم يتمّ النفخ فيها شيئاً وإنما لغرض الزينة، وكان نبي الله سليمان يعجبه أن يُزيّن قصوره، فانظر لصرحه الذي أدهش ملكة سبأ التي أوتيت من كُلّ شيءٍ ولها عرشٌ عظيمٌ ولكنها حين دخلت قصر سُليمان انْهبلَت مما رأت من الزُخرف العجيب والتي لم تشاهد مِثله وهي ملكة سبأ التي أوتيت من كلّ شيءٍ، حتى إذا قيل لها ادخلي الصرح انهبلت وحسبته لُجّةً فكشفت عن ساقيها وظنّته ماءً نظراً لأنّها كانت ترى فيه السماء، فقيل لها أنّه صرحٌ مُمردٌ من قوارير، بمعنى أنها لم ترَ مثله قط ولذلك تمّ التعريف لها مما يتكون صناعة هذا الصرح وأنه صرحٌ مُمرد من قوارير فرأت زُخرفاً عجيباً في قصر نبي الله سُليمان من المحاريب والتماثيل والجفان كالجواب وقدورٍ راسيات. بمعنى أنها رأت زُخرفاً عجيباً وهذه من زينة الله التي أنزل لعبادة ولم يحرِّمها. ولذلك قال الله تعالى:
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].

أي اعملوا ما تشاءون واشكروا ربّكم الذي آتاكم من فضله، ثم قال:
{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم، ولكن زيد بن الحارثة الذي اختار هذا الاسم حتى إذا كذبته في شيءٍ فيظن الزوار أنّي أكذّب الصحابي الجليل زيد بن حارثة؛ بل زيد من قومٍ آخرين يُحرّم زينة الله التي أنزل لعباده. وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

بمعنى أنّه لم يُحرِّمها الله على عباده المؤمنين في الحياة الدُنيا غير أنّه يشاركهم فيها الذي كفروا في الحياة الدُنيا ولكنّهم لا يشاركونهم فيها يوم القيامة بل تكون خالصةً للذين آمنوا في جنّة المأوى خيراً وأبقى. فانظر لقول الله تعالى:
{خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} صدق الله العظيم، بمعنى أنّ المؤمنين والكافرين مُشتركون فيها في الحياة الدنيا وهي خالصةٌ للمؤمنين من دون الكافرين يوم القيامة.

ويا سُبحان الله! يا أخي زيد بن حارثة فمهما أتيتك من القرآن وفصّلت لك تفصيلاً فتنبذه وراء ظهرك فتأتينا بحديثٍ مُفترى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:
[وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ]. وهل تدري ما هي حكمة المُفترين من هذا الحديث؟ وذلك حتى تكون الزينة لهم وحدهم سواء تكون زينة كهيئة الشجر والورد والتماثيل لصور مخلوقات الله فيُحرِّموها عليكم وهي من زينة الله التي أنزل لعباده ولم يحرّمها الله على المؤمنين.

فهل تعلم البيان الحقّ لقول الله تعالى:
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} صدق الله العظيم [الأعراف:32]، وذلك ما تخرجونه من أرضكم من بين التُراب والصخور من المعادن وتستخدموه للزينة وغيرها حسب صناعتكم كيفما تشاءون سواءً جفانٍ للطعام أو قدورٍ للحوم أو تماثيل لصورٍ من مخلوقات الله حسب ما تشاؤوا فتصنعوا ما تشاؤوا. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ]. فتلك من زينة الله التي أخرج لعباده.

وأما الطيبات من الرزق فهي ما يُؤكل، ولكني لا أحرّم إلا ما حرَّمه الله ورسوله ولا أحلُّ إلا ما أحلَّه الله ورسوله، وأما أنت فتفرّق بين الله ورسوله فآتيك ببرهان الحلال من الكتاب فتأتيني بما يُحرّمه من السُّنة ومخالفاً لما في الكتاب! ويا أخي الكريم، ومن قال لك أنّ أحاديث السُّنة النّبويّة تأتي مخالفةً لمُحكم آيات الكتاب؟ بل تزيد الكتاب بياناً وتوضيحاً، ولكني أتيتك بآية مُحكمة في زينة داوود وسُليمان وأفتيتك أنّه لم يحرّم الله عليهم زينته التي أنزل لعباده وإنّما أمرهم أن يشكروا الله على نعمته وفضله. وقال تعالى:
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم.

ولكن انظر لفرعون آتاه الله وآلَ فرعون من فضله ولم يشكروا الله وقال فرعون لبني إسرائيل وعلا في الأرض بغير الحقّ وقال :"أنا ربكم الأعلى". قاتله الله فلم يشكر نعمة الله عليه. وقال الله تعالى:
{فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٧﴾ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿٥٨﴾} صدق الله العظيم [الشعراء].

فتذكر أخي الكريم قول الله تعالى:
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ]؛ بمعنى أنّكم إذا شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم فإنّ عذابي لشديدٌ كما كفر فرعون بأنعم الله عليه: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٧﴾ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿٥٨﴾ كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [الشعراء].

فأمّا آل داوود فشكروا ربَّهم فزادهم من فضله في الدُنيا والآخرة، وأمّا آل فرعون فكفروا بنعمة المُلك الذي آتاهم الله من فضله ثم نزع الله منهم مُلكهم وأورثه الذين كان يستضعفهم فرعون وهم بني إسرائيل وعذبّ آل فرعون في الدُنيا والآخرة. وأمّا آل داوود الذين شكروا بأنعم الله فزادهم الله من فضله في الدُنيا والآخرة.

ولكنك يا زيد بن حارثة جعلت التماثيل شرعةً ومنهاجاً في الدين وإنّك لمن الخاطئين! فلا دخل لها بالدين؛ بل هي من زينة الحياة الدُنيا ولم يُشرع لها أي عقيدة في الدين من الذين كانوا لها عابدين، فإن وضعت في القصور زينةً فلم يُحرّم الله عليهم ذلك كما لم يُحرِّمها على داوود وسُليمان، وإن جلبوها ليعبدوها فقد كفروا بنعمة الله عليهم فيعذبهم عذاباً نكراً فينزع عنهم مُلكه ويورثه لقومٍ آخرين ثم يُلقي بهم في نار جهنم. فمعذرةً أخي الكريم فإنّ الإمام المهديّ لا يستطيع أن يُحرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. تصديقاً لقول الله تعالى:
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

وأما ما وجدتُ أنّ الله حرَّمه في مُحكم كتابه أو في سنّة نبيّه فأحرِّمه جُملةً وتفصيلاً بإذن الله، وأما أنتم فمهما آتيناكم من براهين على شيءٍ في مُحكم الكتاب سواء أحلّه الله أو حرّمه الله ولديكم ما يُخالفه في السنة فحتماً ستنبذونه وراء ظهوركم وتستمسكوا بما لديكم في السُّنّة مهما كان جلياًّ وواضحاً ومُحكماً، ولا تظن أنّ ناصر مُحمد اليماني مُعرِضٌ عن سنة رسول الله الحقّ صلى الله عليه وآله وسلم كلا وربّي؛ بل مُستمسك بكتاب الله وسنة رسوله؛ غير أنّي لا أُفرّق بين الله ورسوله فأجد شيئاً أحلّه الله في الكتاب ثم أجد أنّ رسوله حرَّمه في السنّة ثم أقول حاشا لله أن يجرؤ مُحمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحرّم شيئاً أحلّه الله أو يحلّ شيء حرَّمه الله أبداً وإنّما يُبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم في القرآن العظيم. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [النحل].

إذاً البيان في السُّنة إنّما يأتي ليزيد القرآن بياناً وتوضيحاً ولا يُخالف لمُحكم آياته وذلك لأني وجدت صور التماثيل لخلق الله غير محرّمة الاستخدام للزينة. تصديقاً لقول الله تعالى:
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].

وتصديقاً لقول الله تعالى:
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

وإنما حرَّم الله عبادتها أو نتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله، فكم جادلتني بشيءٍ لا يهمُني أمره شيئاً! وهو موضوع تماثيل صور الزينة ولا تظنّ أنّي خرجتُ عن الموضوع أو نسيت ما تقصده أنت! حاشا لله وأعلم موضع جدالك في نقطتين اثنتين:

1 - تحريم التصوير كخلق الله سواء صورة إنسان أو صورة حيوان أو طير وزعمتم إن الله سوف يحاسبه فيقول أنفخ فيه فإذا لم يستطع فسوف يُلقي به في نار جهنم حسب فتواكم.
2 - حرمتم أن توضع صور التماثيل لخلق الله في البيوت سواء منحوتة أو ورقية.
ولكنّي أتيتُ بما يُخالف لفتواكم وفصّلتُ الحقّ من الكتاب تفصيلاً ولم نجد في كتاب الله أنّها محرّمة للزّينة إلا ما كان خليعاً مُثيراً للفتنة، حتى إذا أتيتك بالبرهان المُبين من مُحكم القرآن العظيم في نفس وذات الموضوع فإذا أنت تُجادل وتقول إنّما ذلك حلالٌ في شريعة داوود وسُليمان فقط ولكنّه مُحرّم علينا! ولكننا خالفناك وقلنا أنّ الشرائع إنّما تزداد تفصيلاً نبيّاً من بعد نبيٍّ ولا تختلف في شيءٍ أبداً عند كافة الأنبياء والمُرسلين.

ثم أتيتنا بموضوعٍ تغيير قبلة المؤمنين، ثم نأتيك بالحكمة من ذلك كما وضحها الله في الكتاب وليس أنّها سنّةٌ في الكتاب لتغيير الشرائع في الكتاب؛ بل ليكشف حقيقة قوم من أهل الكتاب يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؛ أفلا تعلم أنّها هي القبلة الحقّ للناس جميعاً والمسجد الحرام أوّل بيت وضع للناس وإنّما الحكمة من القبلة التي كانوا عليها لكشف حقيقة المُنافقين والصادقين التابعين. وقال الله تعالى:
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٤٢﴾ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿١٤٣﴾ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴿١٤٤﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

وأرى الحكمةِ واضحةً في الكتاب من تغيير القبلة وذلك لكشف حقيقة إيمان المُنافقين وليس أنّها سنة تغيير في شرائع الدين! ولا أُدخلُ التماثيل في الشريعة والمنهاج، وإنما أقول أنّ الله لم يُحرّمها بغرض الزينة ولم يُحرّم التصوير لمخلوقات الله بغرض الزينة وفصلنا لك الحقّ تفصيلاً وصبرنا عليك حتى إقامة الحجّة بالحقّ. وختام هذا البيان أذكِّر بآيتين اثنتين في الفتوى بالحقّ.
قال الله تعالى:
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

وقال الله تعالى:
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].

وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
الإمام المهديّ ناصر مُحمد اليماني.
ــــــــــــــــــ